الخاتمة

 

 

عند الخاتمة، أدركنا ــ عزيزي القارئ ــ شمولية وضخامة هذه التجربة الفريدة التي هي بين يديك الآن، فيحسب لهذا الديوان السبق في نشر هذا الكم الكبير من الإبداعات لهذا العدد من المبدعين، لذا فالديوان يحظى بالتنوع في الأغراض الأدبية للشعراء، فالمتأمل لما ورد به من كلمات هؤلاء الشباب يجدها صورة مجسدة لواقعهم المعاش: فهذا يرسم صورة الفراق والاشتياق لقلبه المفقود، وذاك يدفع بالكلمة عن أمته العربية الاحتلال محاولا إيقاظ الضمير العربي، وثالث يسمو فوق شهوات الدنيا زهدا فيها لتتلاقى روحه مع ملائكة السماء، ورابع يصرخ في وجه الفساد، وآخر ينعي ذكرى الماضي الذي واراه التراب وجميعهم شباب متوسط أعمارهم "اثنان وعشرون عاما"، نشر لهم مائتان وسبعون عملا أدبيا.

 

ومن ثم فلم ينفصل هؤلاء المبدعين عن واقع الحياة في مصر وظروف المعيشة التي تدفع ببعض الشباب للمغامرة والهجرة معتقدين في ذلك هو السبيل الوحيد للخلاص من أنياب الفقر، ولكن كانت نظرتنا للهجرة مختلفة، فقد تكون الهجرة لمصلحة شخصية للفرد ولكنها هدم لقوى المجتمع ككل، وتصدير للخبرات البشرية التي نحن في أمس الحاجة إليها، وقد تنبه الشاعر "عبدالنبي عبدالسلام عبادي" لهذه القضية فقال:

 

هذي الأرض متكئي

وموطن فتنتي

وجمال ُ قرب أحبتي،

وقصيدتي ،

وحبيبتي

حين التقينا

عند باب مدينتي

قالت: حبيبي لا تغِبْ

فهناك موتي !

وسطوعُ فجر مصيبتي!

أما هنا

أنت / أنا

سنكون نهرا واحدا

يمضي

ليشهدَ قصتي !

 

ويأتي الشاعر "أحمد رفعت" ليوضح معنى "الوطن" لهؤلاء الشباب المهاجرين أو غيرهم ممن لا يدركوا قيمة وطنهم الغالِ "مصر"، حيث يقول:

واشتريت لي وطن...

كون الوطن يتباع  / مش سهل،

أصل الوطن..

مش أرض عاليه

وأرض واطيه

وسهلْ !

الوطن..

مش منصبي ولا منصبك

ولا موج هيعلى ويغلّبك

حتى ولو في الكهل

وطني سفينة توصلك أرض الأمان

تسقيها شوق تسقيك حنان !

مش ضرب من تحت الحزام

ولا شيء بيحصل في الحرام

ولا كلمة تتقال ف الكلام عن جهل !!

وطني ف مصيبتك

ناس تساعدك / مش تعاندك

ناس تساندك وقت جرحك

همه انته / انته همه

همه وانته..

تصبحوا في الصعب أهل  !!

 

وعلى الجانب الآخر نجد الشاعر "أحمد عبدالفتاح العوامري" يعبر في قصيدته "ميتين قبل الولاده" عن حال شريحة من شباب مجتمعنا الذي يغلب عليه اليأس نتيجة ظروف الحياة القاسية والبطالة والصعوبات التي يواجهونها فيقول:

من..

أول....

المشوار

بنمشي ع الهوا

كان حلمنا نوصل لأول مروحه....

بتهز ريـــحْ

نكتب جواب للشمس ترجع /

تترمى ف حضن البراحْ

من يومها واحنا

ميتين قبل الولاده

بنرسم الحلم البليد

ونبص على بُكره المعاند....

من بعيييييد. !

 

ولم يخلُ ديواننا من رد على هؤلاء الشباب المحبطين اليائسين، حيث يبعث الشاعر "مصطفى أحمد ثابت" - في رائعته "يا طائر الأيك" - برسالة لهؤلاء الشباب يدعوهم للأمل والتفاؤل قائلا:

 

يا زهرةَ النسرينِ يا

 

 

موردَ الأملِِ الوفيرْ

 

مني إليك نصيحة

 

 

لما يعاودْكِ الفتورْ

 

حَيِّ الزمانَ ووَدِّعِي

 

 

ذكرى المخاوفِ والشرورْ

 

ما كنت يوما من تََهَا

 

 

بين المصاعب والثبورْ

 

لا اليأسُ يعرونا إذا

 

 

ما حالَ دُونَ النور سورْ

 

يا أيها الشَّابي الذي

 

 

قد كنتَ منخدعا بزورْ

 

مما يئستَ وقد بدا

 

 

في الأفْق بعد الليل نورْ

 

هلا صرختَ مُحَفِّزَا

 

 

صَحْبِي وربَّاتِ الخدورْ

 

ماذا جنيتُ من الحيا

 

 

ة ومن تجاريب الدهورْ

 

غير السعادة والرضا

 

 

والشوق للرب الغفورْ

 

 

ومن منطلق عروبتنا الخالصة وقلوبنا المتقطعة ألما على ما يصيب البلاد العربية المحتلة؛ وجدت بعض الإبداعات الشعرية التي عبر فيها الشعراء عن أسفهم الشديد لما يحدث، فقام من بين شعراء الطرق صوت الشاعر "أحمد الهواري" الذي يستنهض الأمة العربية مناديا:

 

يا أُمَّةَ العجزِ هبِّي الآن وانتفضــي

 

 

قومي بربك كالبركانِ واشتعلــــــــــي

 

يا أُمَّةَ العُمْيِّ حسبي ما أذاقـــــوكِ

 

 

فكي العُصَابةَ عن عينيكِ واكتحلـــــي

 

ولترسمي فوق ظهرِ الليلِ أمجـاداً

 

 

ولتنشدي فوق وجهِ الصبحِ وارتجلي

 

كوني كما الشمسِ للآفاقِ باعـثـةً

 

 

أشعةَ الحبِّ لا إكــــــــــــراهَ في المِلَلِ

 

ولا تقولـــي إذا شاءت إرادتُــــــه

 

 

فالجِدُّ في الجَدِّ والحرمانُ في الكسـلِ

 

 

ويجيب النداء صوت الشاعر "أحمد بكري محمود" بتحليل أسباب هذا الضعف والذي يكمن في الفرقة، ويضع لنا الحل في صورة بسيطة قائلا:

 

كل واحد فينا فكرْ

 

 

وحده بس عشان هـيقدرْ

 

كل واحد فينا عايزْ

 

 

يمشى يعلى ويبقى أكبرْ !!

 

 

 

 

مستحيل وحدك هـتوصلْ

 

 

دا الطريق مع بعض أفضلْ

 

خلي إيدك ويا إيدي

 

 

ويا بعض أكيد هـنوصلْ

 

 

 

 

 

وختاما .... عزيزي القارئ،

 

فإن الزمن سينظرُ إلي هذا الاستحداث الأدبي الإبداعي الجديد بعينٍ يُشعّ منها التقدير البالغ، والاحترام البليغ.

 

فإنَّ جـهدًَا عارمًا قد بذلـَه شبابٌ واعد ٌلكي يصل هذا الديوان أعتاب يديكَ الكريمة! ولم يرَ أحدُهم رفقاءَ طريق ذلك الإبداع.

 

تخيلْ .. ناسًا تعارفوا، وتفاعلوا حتى توصّلوا ـ بالطبع بعد أن تواصلوا ـ إلي فكرة إنتاج إبداع ٍأدبي ّ يقدّمونها للعالم ! من غير أن يرى بعضُهم البعض. يظل الزمن ينظر إلي الإبداع الأدبي، بل وأي ّ إبداع ٍ كان منذ الأزل،  فقد كان ينظر إلي روّاد "عكاظ"، ويتسمّع (امرأ القيس) يقول في صوتٍ خافتٍ: يا تري، مَن سيكون أشعرَ الناس هذا العام، وكذلك إلي (قـِس بن ساعده) الذي كان لا ينزل عن مطيّتهِ! يتساءل بنبرته الحادّة وجرأته اللامعة: مَن منكم ـ يا معشر العرب ـ الذين سيضعون علي أكتافهم العباءات، ويحكّمون الندوات، ويقـيّمون اللقاءات والإجازات والمعارضات! ثم يقولون: فلانٌ أشعرُ الناس، وفلان أخطب الناس، وفلان أعقل الناس، وفلان أشقي الناس.

 

ها هي ذي عكاظ الجديدة! متمثلة ً في موقع "الطرق المؤدية إلى التعليم العالي – جامعة القاهرة" ... حيث الـْـتقينا – تحت قيادةٍ رشيدة واعية تدرك، وتقدّر أيضًا، قيمة الإبداع – وتعانقتْ الأفكار، وتوّلد الحوار، واستمرّ التداول حتى أنجزنا هذا الإصدار القيّم الذي – بكلّ مشتـَملاتهِ – تمسكه يداكَ الآن! وكلّ منـّا لم يغادرْ مكــانه.

 

فانظرْ إلينا – أيّها الزمن – كعادتكَ، وتذكـّرْ تلك اللحظات واعلم أنك لا تزال نافعًا عندما تشاهد صلابة َ تلك العزائم الشابّة التي لم تعتصرْها أضراسُ الحياة بعد! وهي تناضل من أجل عشق الكلمة التي باتتْ عارية ً في وقتٍ أصبح فيه وجه العملة – صعبة ً أم سهلة ً – هو - ربما - سيد الموقف !!

أرق تحيات

لجنة إعداد وإخراج الديوان