ديواننا ... بين يديك

 

 

تتلاحق التغيرات والمستجدات بما يؤثر على ثبات القيم والأفكار وتراث الشعوب، حيث تهب من كل جانب رياح التغيير والتبديل والتبديد أحيانا، وفي ذلك من الخطورة ما يهدد أمن الشعوب والمجتمعات وخاصة الساعية سعيا حثيثا نحو التطور، ربما تختلط الأوراق عليها فتتخطفها الأفكار المسمومة المهاجرة بشكل دائم تحط في كل قطر، وتترك ألغامها لتفقس فيما بعد شتاتا ودمارا وانحلالا معرفيا وأخلاقيا، وتلعب دورها في إذابة اللحمة اللاحمة بين أجيال المجتمع الواحد، فيظهر الجميع - أبناء المجتمع الواحد - وكأنهم غرباء عن مجتمعهم لعدم الاتساق في تفكيرهم واختلاف أهدافهم وسبلهم في تحقيق هذه الأهداف!

 

ولذا كان التواصل بين أجيال المجتمع الواحد من جهة وبين أفراد الجيل الواحد من جهة أخرى هو طوق النجاة في هذا الزمن، ولابد أن يكون هذا التواصل مشروطا بتنمية مهارات هذه الأجيال بشكل مستمر وتدعيم قدرتها على العمل والانتاج والتطوير، فهذه أدوات الزمن الجديد.

 

واستجابة لهذا المطلب وسيرا على هذا الدرب .. جاء هذا الديوان الذي بين يديك عزيزي القارئ، فهو ثمرة مجهود استمر شهورا لشباب لم يتلاق من قبل؛ فهو عمل لا شبيه له على المستوى القومي من حيث نوعيته واتساع المساحة الجغرافية التي يغطيها حيث كان الاحتفاء بالكلمة الشاعرة هدفا التف الجميع حوله من محبي ومبدعي الشعر على اختلاف تخصصاتهم إعلاءً لشأن الكلمة وتقديرا لدورها في حياة الناس.

 

إن الذي بين يدينا الآن هو ديوان شعري تقرأ فيه إبداعات لشباب مبدع من مختلف أرجاء المحروسة وقد وجدت هذه الإبداعات من يأخذ بيدها إلى النور بدعوة كريمة من مشروع الطرق المؤدية للتعليم العالى من خلال الموقع الإلكتروني My.Pathways.cu.edu.eg. وقد وجهت هذه الدعوة إلى مبدعي مصر من طلاب وخريجي جامعاتها لكي يبدعوا قصيدتهم الأم التي تشهد على إبداعهم أمام الأجيال القادمة، هي مبادرات شعرية من متدربي وخريجي المشروع عديدة وعميقة ومعظمها لا يرى النور، لذا تم فتح جزء من موقع المشروع لمن يرغب أن يضع شعره الذي أبدعه ليقرأه الجميع في ديوان "شعراء الطرق".

 

وفور إطلاق هذه الدعوة هبت نسائم الشعر والإبداع من كل أنحاء المحروسة لتؤكد أصالة أبنائها وقدرتهم على الإبداع والتعبير عن أنفسهم وعن حبهم لبلادهم وإخلاصهم لها، فيقول الشاعر "عمر العسَّال" في حب مصر:

 

 

 

قُم حَـلِّ اسـمَكَ بالعُــلا والـبانِ

 

 

أن مصــرَ أمـُكَ درةَ الأكــوانِ

 

واظفَر بوطء المجد واسعـدْ بالثـنا

 

 

واطلق لخـيلِ الفخــرِ كلَ عَــنانِ

 

قَد كـان للتاريخِ إرثٌ فاغتـــنى

 

 

من ذكــرِ أجــدادٍ ذوي شــانِ

 

إذ توَّجوا دهــرًا أطاحَ بهِ الـردى

 

 

تاجَ الخلــودِ وذِكـرياتُ زمــانِ

 

هم فى الـوغى كصقورِ بطشٍ غاديهْ

 

 

صوبَ الــعدا ومُقَطِّعــينَ الجانى

 

فإذا تَجــبَّرَ جائـرٌ في معــقلِ

 

 

بَعَــثوا إلـيهِ مشــيبي الولـدانِ

 

وإذا تَعــذَّرَ ســائلٌ في بقـعةٍ

 

 

ساقوا إلــيهِ غَـمامةَ الإحسـانِ

 

وإذا تَـربَّصَ في الخلاءِ لـهم فتى

 

 

وَجَدَ العــيون قــناتها بسـنانِ

 

ما راحَ يَرقـبُ إذ يـرى أجفانَـهُ

 

 

مَقـــروحةً مفقــودة الإنسانِ

 

وإذا تعذرَ في المسيرِ لهم خــطى

 

 

داسوا الصعــابَ مُحققـينَ أماني

 

فإذا رأوا في السيرِ خيرًا أسرعوا

 

 

فَتَـــبَدَّلَ القاصي لـهم بالـداني

 

 

 

الإبداع التفاعلي

 

وقد اتسمت هذه التجربة "شعراءُ الطرق ... ديوانُنا" بتفاعلية عالية من حيث طريقة جمع الإبداعات وتنظيمها بالشكل الملائم، فما كان المبدع ليرسل إبداعه في مظروف ثم ينتظر أن يراه منشورا بل راح المبدعون يرسلون إبداعهم بالبريد الإلكتروني تارة وتارة أخرى ينشرونه على موقع المشروع بشكل مباشر حيث النشر متاح للجميع دون قيود تحد من إبداعهم، في ضوء اتفاقية استخدام الموقع.

 

وتتبع إدارة المشروع سياسة النشر المتاح للجميع (Open Access Information) وهذا هو عين الإبداع من حيث شمولية الأداء، فنحن لا نتكلم عن الشعر فحسب، الأمر هنا يتعلق بصناعة الإبداع عن طريق الوسائط التكنولوجية المتعددة فنضمن بذلك إبداعا ينطلق من الواقع ثم يلمس ما يلمس من فضاءات الوجود لكي يعود بواقع جديد، وها هي القصيدة تقفز من فوق الورق وتفارق القاعات والأمسيات الباردة إلى فضاء متوهج مشحون بروح العصر.

 

إن ما يلفت النظر في هذه التجربة أنها كادت تحسم سؤالا صعبا عن إمكانية قراءة الإبداع الشعري إلكترونيا والتفاعل معه وربما يتبدى ذلك من خلال التعليقات التي تلت العديد من القصائد والأخبار المنشورة بالموقع، لم يكن ذلك بشأن الشعر فقط بل كان التفاعل يختص بكل إبداع مقدم على الموقع، لم يكن صاحب الإبداع الأساسي هو اللاعب الوحيد بل يشاركه الجميع من أجل الوصول لأفضل التصورات والأشكال فيما يتعلق بكل أجزاء هذا الديوان (الغلاف والمحتوى الداخلي).

 

وهو ما أكد الحضور الإلكتروني للشعر والإبداع وبزوغ ما يعرف بالقصيدة التفاعلية في أدبنا المصري التي يتفاعل قراؤها مع نصها (يضيفون إليه حسب رؤاهم) وهو ما تجلى بالفعل في قصيدة (لبيك اللهم لبيك) التي ارتجلها شعراء الديوان على موقع المشروع كلٌ حسب رؤاه، حيث بدأ احدهم بالارتجال ثم اشتبك الجميع مع النص، فبدا الإبداع وكأنه على قلب قصيدة واحدة، يقول شعراء الطرق مجتمعين*:

 

لبيك اللهم لبيك

 

سلْ كل راحلة ٍلأرض المصطفى

 

 

خيــر الـدعـاء ِلأهلنا وذوينـا

 

واشحذ ْقواك وقل لهم يا مرتجي

 

 

يتضـرعـوا لـلـه أن يعـلينـا

 

يـا واسعَ الغفران يا باب الرجـا

 

 

يا ذا المـراحم يـا عظيما فينا

 

عبدٌ ضعيفٌ يرتجـي منـك النجـا

 

 

من هولٍ يـوم ٍكـن لنا شافينا !

 

بتذكــر الويــلات أرجع باكيـا

 

 

وأقول يا ربي: ألا تنجينا؟!

 

لبيـك أعلـم ُ أننـي قد كـان لي

 

 

عملٌ مشينٌ لا يـروق الدينــا

 

فخلعتـه وكفـرت بالبـاقين إذ

 

 

أنت الكبيرُ وأكرمُ الباقينا !

 

* * *

لبيك هاجت في الطواف عواطفي

 

 

يـا نـور وجـــه كالضياء مبينا

 

وإلى رحابك نخطو خطوات الهدى

 

 

ونروح ُنسبقُ فرحة الساعينا

 

لبيك ربـي قـد عـرفـت مـآربي

 

 

(لما رحلتُ إلى الحجاز جنينا)

 

(لا صبر لي لاصبر لي لا أصبرُ)

 

 

والذنبُ أنهك هامةً وجبينا!

 

أقسمـتُ أن أطــأ المدينـة إنهـا

 

 

بنسيمهــا وعبيرهــا تشفينــا

 

ســارت إليك ركائبـي ولطــالما

 

 

علقت قلبـي بالبقـيـع سنينا

 

ذي مكـةٌ قصـد الزمـانُ ديارها

 

 

مُليء الزمانُ سكينةً ويقينا!

 

هذا العقيــق وسفحــه فلأجلـه

 

 

هاجت دموعـي لهفـةً وحنينا

 

وجع ٌ على طرف القصيدة قال لي:

 

 

"أبكيتني يا أهون الباكينا!"

 

***

يــا سيــد الرسـل الكرام تحية ً

 

 

لازال هديك في الورى يسقينا

 

مــاذا يقــول ُالمادحــون وإنمـا

 

 

زكـاك ربـي أعصرا وقرونا!!

 

صلــى عليك اللـه يا خير الورى

 

 

ما هاجَ شوقٌ في الفؤادِ دفينا

 

 

*هذه القصيدة كتبها وشارك فيها لفيف من شعراء الطرق: عمر العسَّال، أسامة محمد فؤاد، إيمان أبوبكر، عبدالنبي عبدالسلام، ناهد سيد، آية محمد ابراهيم، أسماء عبدالكريم، ياسمين قطب، علي حسان، أمل دندراوي، أحمد النادي، أحمد حسني، مصطفى أحمد ثابت.

 

 

واقع الإبداع / إبداع الواقع

 

والمتأمل للواقع الأدبي يلحظ بونا شاسعا بين ما يكتبه المبدعون وما ينشره الناشرون وذلك بالرغم من اعترافنا بضخامة ما ينشر، لذلك كان لابد من إبداع واقع مختلف تقف فيه مؤسسات الدولة التعليمية والتدريبية جنبا إلى جنب مع الناشرين للإبداع الشعري والأدبي، واقع تؤدي فيه الجامعة دورها المجتمعي من حيث احتضان أبنائها بحيث تكون هي حاضنة الإبداع ولا يتوقف دورها مع أبنائها المبدعين عند عتبة التخرج بل تتابعهم لتؤكد موهبة من هو جدير بذلك منهم، لأن مثل هذه التجارب التي تحتفي بالمبدعين الشباب من وطننا تمكننا من رسم خريطة مستقبلية للإبداع وتحديد الاتجاه الذي يسير فيه.

 

ولمسة وفاء من شعراء الطرق ... توالت كلمات الشكر والثناء منهم على "مشروع الطرق المؤدية إلى التعلم العالي" والقائمين على إدارته بجامعة القاهرة والذي هو متكفل بنشر هذا الديوان من حيث قناعة القائمين على إدارته بقيمة تلك الإبداعات، وحملوا على أكتافهم مسؤولية النهوض بهؤلاء المبدعين ووضعهم على بداية الطريق الصحيح.

 

فنجد – على سبيل التمثيل -  الشاعرة "سناء مصطفى أحمد" تقول في قصيدتها "هوّ دا أفضل قرار":

 

النهاردة أنا جايه شايله

بين ايديا كلمة حلوة ووردتين

وردة للعقل اللي فكر إن كفه تبقى شمعة بألف عين

بس دى مش أي كف

وللي زى عيونه تلقى أي عين

كف "سيد" واحة خضرا وجنة طارحة وفكر عالي حبتين

حبة تملى عقول شبابنا بالتحدي والعزيمة والطموح

حبة تخلق جوه روحهم للتميز ألف روح

ديّا ورده لاجل "سيد" اللي "كاسب" حبنا

واللي نوّر دربنا

أما تانى وردة منّا للعيون السهرانين

اللي تعبوا واللي حاضروا واللي كانوا مبدعين

واللي خلوا الفكر يعلى

واللي خلوا العلم يحلى

واللي علّوا الحلم حتى حط بينا ع السحاب

واللي فتحوا ألف باب ... كان تملى بره منهم سور ضباب

 


 

ويبعث شاعر الطرق "عبدالنبي عبدالسلام عبادي" برقية شكر لأستاذه الدكتور "سيد كاسب" تحت عنوان "رجُل !!"

 

رجل...ٌ.

ستعرفه  القصيدة ُ بعد حين ْ!

سيعيد ميقات  الزمان إلى الزمان 

يعيد ترتيب المكان إلى المكان ..

يعيد قلبا هاربا

طردته أشباح القبيلة ِ

ثم عاد تقوده سحب الحنين ْ!

رجل ٌ...

وليس أمامنا  إلاه ُ..

يعرف حزننا،

لكنه صعب المران ِ أمام أشباح الزمان الصعب ِ

منتصب ٌهنالك  !

فوق تبة الحلم الذي لا يستكين ْ..

من قال أن قصيدة مشبوبة بالحلم / قد غابتْ بعيدا ؟!

إنها تقف ... البداية تستثير العاشقين !

 

 

وتكتب "أسماء السيد عبدالكريم" عن شعراء الطرق فتقول:

 

كُلنا شعراء طرقْ

ودا حلم وجمعنا كلنا

وكمان عشناه بقلبنا

واتمنينا إن الكتاب يضمنا

ويجمع أعمالنا كلنا

وكُلنا شعراء طرقْ !!

 

خطوة بخطوة ابتدينا

حقيقة وبتتبنى على أيدينا

وفى بداية الطريق سمينا

وأتوكلنا على المولى وهو اللي حمينا

وكُلنا شعراء طرقْ !!

 

فكره قدمها "كاسب" وكانت فكره بريئه

ما كانتش حلم دي طلعت حقيقه

ومعاه أعضاء لجنة عمر وياسمين وناهدْ

ومحمود ومحمد جايين ومعاهمْ

فِكر وعمل وحياه وأيدين بتساعدْ

عشان نبنى بكره ونعيش الحلم الواعدْ

وكُلنا شعراء طرقْ !!

 

 

وتكتب "ناهد سيد مصطفى" فى قصيدتها لحب وفى حب مصر:

 

أنا في حبك يا مصر ياما غنيتْ

 

 

ومهما كان عمــري ما اشتكيتْ!!

 

انتى مصـــــري حياتي عمري

 

 

وطنـــــــي اللـــــي أنا حبيــتْ

 

مصـــــر في قلبــــــــي وعنيّا

 

 

وطنـــي اللــــــي فيـه تربيـــتْ

 

عشت فيـــــــــــه وكبـــــــرت

 

 

وعلـــى أرضــــه أنــــا مشيتْ

 

عمــــــري ما أنساكي يا حبـي

 

 

مهمــــا رحــت ومهمــا جيــتْ

 

أفديكي يـــــــا وطنــي بدمـــى

 

 

بــــروحــــي مـــــا اهتميــــتْ

 

انتـــي عايشــــــه جـــوه قلبـي

 

 

وبحبـــــك أنـــــــا ارتــــــويتْ

 

باشتــاق لك يـــا مصر دايمـــا

 

 

وتلاقينـــــي ليكــــــي حنيــــتْ

 

 

 

ومصر وحبها ووحدتها فى قلب كل شاعر طريق فنجد – على سبيل المثال -  شاعر الطريق "محمود محمد على كامل" يقول في رائعته "وحدتك يا مصر":

 

في وحـدتـك يـا مصـــر كـــلام كـتـيـر ينقــــالْ

 

كـــــلام طــالـع مــن القلـب بــدون أي إبـتــذالْ

 

المصري فيكى مصري من الجنوب أو الشمـالْ

 

هدفه في الحياة حــب الحـق والخير والجمـالْ

 

ونـاسـهــا طـيـبـيـن وكمــــــان ولاد حـــــــلالْ

 

 

في وحدتـــك يــا بلدي بيتقال ألــف مـــوالْ

 

واللي بــاع ضميــره لأجل حفنه من المـــــالْ

 

وعايـــز يـوم يفــرق بين الصليــب والهـــــلالْ

 

عمــره ما ينـــول مـراده لأنــه مــن المحـــــالْ

 

يفـــــرط أخ في أخــــــوه والأب في العيـــــالْ