(3-5) تبلور نمط
حجاجي أكثر فعالية عبر العمر:
يلاحظ من خلال فحص
البيانات المتوفرة عن مظاهر ارتقاء مهارات المحاجة عبر فئات العمر
المتعاقبة فى عينات البحث أن كل فئة تتسم بغلبة نمط حجاجى معين دون
غيرها، ويوضح
جدول (3-5) الملامح العامة لنمط
المحاجة السائد بين كل فئة من فئات عينات البحث من طلاب الاعدادى،
والثانوى، والجامعة.
لاستعراض محتويات الجدول أضغط
على اسم الجدول بأعلى:
حين نفحص ملامح هذا
الجدول لكى نستخلص ملامح نمط المحاجة فى كل مرحلة عمرية سنجد ما
يلى:
•
فيما يتصل بمرحلة الإعدادى فإن أكثر تلك السلوكيات بروزا تمثلت فى
النظرة الجزئية، والنظر من زاوية واحدة للمسألة (التصلب)، والتطرف
فى الحكم والتفكير الوجوبى، والسطحية، والعيانية، والتمركز حول
الذات وهى سلوكيات ذات طابع سلبى، أما السلوكيات الحجاجية
الإيجابية فقد أتت فى مكانة أقل تقدماً وكانت أقل شيوعا من قبيل
التسلسل الحجاجي، وطرح بديل مغاير(18)،
والواقعية، والتفريد أى ان السلوكيات السلبية بلغ عددها (9) مقابل
(5) إيجابية.
• أما المهارات الحجاجية السائدة فى عينة الثانوى فتمثلت فى
الإطلالة على جانبى المسألة، والتسلسل الحجاجي، والإشارات الدينية
والواقعية، واستخدام الحجج الشرطية، واعتبار الأخر، والعقلانية،
والتجذير، والعقلية التصنيفية، وهى سلوكيات ذات طابع ايجابى، أما
ذات الطابع السلبى فتمثلت فى النظرة الجزئية، والانفعالية،
والعمومية أى أن معظم المهارات الأكثر شيوعا والتى شكلت النمط
الحجاجى لهم كانت ذات طابع ايجابى (11) مقابل ثلاث سلوكيات فقط ذات
طابع سلبى.
•
وبالنسبة لعينة الجامعة فقد كانت مجمل المهارات الأكثر شيوعا
والمعبرة عن نمطهم الحجاجي ذات طابع ايجابي (15 مهارة) حيث تمثلت
فى الإطلالة على جانبى المسألة، وإعادة تأطير القضية، والواقعية،
وطرح بديل مغاير، والتجذير، واستخدام الحجج الشرطية، والتفريد،
وطرح مسلمات، والتسلسل الحجاجى، واستخدام الأسئلة، والعقلانية،
وتعظيم مفعول الحجة الشخصية، وإبراز البديل الأسوأ، والعقلية
التصنيفية، والنظرة المستقبلية للأمور.
نخلص
من هذا الى أن كل فئة تتسم بغلبة نمط حجاجى معين يميزها عن غيرها،
ففى عينة الإعدادي كان سائداً فيها نمط حجاجى سلبى يتسم بالذاتية
وأحادية الرؤية، والتعجل فى إصدار الأحكام، والتشبث بالرأي الشخصى
بغض النظر عن صحته، وتجاهل المتغيرات الواقعية، والغياب النسبى
للنظرة المستقبلية، بيد أن هذا النمط الحجاجى أصبح يأخذ ملامح
مختلفة – أكثر إيجابية – فى المرحلة الثانوية تمثلت فى التخلى عن
رؤية المسألة من زاوية واحدة فقط، وإصدار أحكام أكثر عقلانية،
ومحاولة البحث فى جوهر القضية، وتفهم وجهة نظر الأخر حولها. وفى
المرحلة الجامعية حدث تحسن نوعى أيضا فى ذلك النمط، حيث أصبح الفرد
أكثر تفهما للآخر، وانفتاحا على آرائه، ومحاولة فهمها، والإحاطة
بجوانبها التفصيلية، من خلال طرح المزيد من الأسئلة عليه، والسعى
فى الوقت ذاتة لإقناع الطرف الآخر برأيه بوسائل متنوعة بعضها منطقى
من خلال طرح مسلمات واشتقاق نتائج ملزمة منها، والآخر تخويفى وذلك
بإبراز البديل الأسواء فى حالة عدم قبول ما يترتب على مسلماته،
وذلك مع مراعاة الطابع الخاص للموقف، والأخذ بعين الاعتبار الحالات
الخاصة والاستثنائية للمسألة(19)
أي أنه يمكننا القول بأن النمط الحجاجى للأفراد يسير فى وجهة
ارتقائية تمتد على عدة محاور قوامها المزيد من المرونة الحجاجية،
والنظر للجوانب الإيجابية والسلبية للمسألة، والتخلى عن التمركز
حول الذات واعتبار منظور الآخر بدرجة أكبر، والاحتكام للمعايير
العقلانية والواقعية فى إصدار الأحكام على الأمور، والغوص بدرجة
أكبر نحو أساس الأشياء وعدم الاكتفاء بالتعامل معها وفهمها بصورة
سطحية، وتجميع مزيد من المعلومات بوسائل متعددة عنها، وتتمايز
الوظائف الحجاجية لدى الفرد، حيث لا يكتفى بأن يكون مفندا لوجهات
نظر الأخر ومدافعا عن وجهات نظره أى النظرة التفنيدية الدفاعية، بل
يحاول أيضا أن يمارس الوظيفة الإقناعية الاستمالية لجذب الأخر
لصفه. كذلك يتعامل الفرد مع عامل الزمن بصورة أكثر تنوعا فتتجاوز
نظرته اللحظة الراهنة، ويستند الى الأدلة التاريخية لدعم تصوراته،
ويضع النظرة المستقبلية للأمور فى حسبانه أيضا.
ويلاحظ أن هذا النمط الحجاجي Type لا يختلف كثيرا لدى الذكور عن
الإناث، حيث أننا حين حاولنا استطلاع نمط الذكور مقابل الإناث فى
المحاجة وجدنا أكثر المهارات شيوعا لدى الذكور تمثلت، مرتبة ترتيبا
تنازليا من حيث الشيوع، فى الإطلالة على جانبى المسألة، والقفز على
المقدمات، والنظرة الجزئية، وطرح بديل مختلف عن الذى يطرحة الأخر،
والواقعية، وإعادة تأطير المسألة، والتسلسل الحجاجى، والحجج
الشرطية، والتفريد، والتمركز حول الذات، والتجذير. أما بالنسبة
للإناث فكانت الإطلالة على جانبى المسألة، والواقعية، وطرح بديل
مغاير، وإعادة تأطير القضية، والتسلسل الحجاجى، والتمركز حول
الذات، والحجج الشرطية، والتجذير، والتفريد، والعقلانية،
والانفعالية.
تكشف هذه المقارنة – بشكل عام – عن وجود قدر مرتفع من التشابه فى
النمط الحجاجى بينهما، حيث احتلت قائمة المهارات الأكثر شيوعا لدى
كل منهما تسع مهارات متشابهة، بغض النظر عن الاختلاف النسبى لترتيب
كل منها بالقائمة، وهو ما يشير بصورة عامة، الى تشابه بنية مهارات
المحاجة لديهما على الرغم من وجود بعض الفروق المحدودة من قبيل أن
الذكور أكثر جزئية، ومحاولة لفرض وجهات نظرهم على الأخر بالقفز على
المقدمات، فى حين أن الإناث أكثر استقلالية، ولديهن ميل للعرض
المتوازن للحجج، ويغلب عليهن أحيانا الطابع الانفعالي، وقد يعزى
ذلك إلى الرغبة فى التنفيس عن توتراتهم، أو مقاومة فرض وجهات النظر
عليهن، أو تعظيم الأثر الإقناعى لحججهم.
الهوامش:
(7) من
بين هذه القضايا: الدروس الخصوصية ضرورية لنجاح الطلاب وتفوقهم،
وجوب منع الباعة الجائلين من الوقوف بالشوارع والأرصفة، وإلغاء
مباريات كرة القدم لأنها تشغل الشباب، وإعدام المدمنين لأن ليس
هناك فائدة من علاجهم، وإزالة الأحياء العشوائية فوراً ونقل سكانها
إلى خارج القاهرة.
(8) قال أحد طلاب
الجامعة ردا على قضية ضرورة إنهاء الإرسال التليفريونى مبكرا
للقضاء على السهر بقوله "ليس الإرسال التليفزيونى هو الذى يؤدى الى
السهر ولكن هناك أسباب أخرى منها، على سبيل المثال، عدم قدرة الفرد
على تنظيم وقته"
(9) أشارت إحدى الطالبات الجامعيات إلى أنه " ليس إعدام المدمنين
هو العلاج ولكن الحل يكمن فى اكتشاف ذلك والقضاء عليه"
(10) قال أحد طلاب الجامعة مبررا رفضه إنهاء الإرسال التليفزيوني
مبكرا للقضاء على السهر بقوله "هناك من يعودون من العمل ليلا
متأخرا وبذلك لن يكون متاحا لهم وقت للمشاهدة"
(11) أشار أحد طلاب الجامعة كنموذج لإبراز البديل الأسوأ ردا على
مسألة منع الباعة الجائلين من الوقوف بالشوارع بقوله: "كلمة بائع
جائل أفضل من كلمة متسول أو مجرم"
(12) بدأ استخدام الأسئلة
الاستنكارية على أيدي طلاب الجامعة كوسيلة للمحاجة مثل قول طالب
ردا على قضية يجب منع الباعة الجائلين من الوقوف بالشوارع "لماذا
نغلق بابا للرزق الحلال لأناس لم يجدوا ما يسد جوعهم واحتياجات
بيوتهم؟"
(13) قالت إحدى طالبات الجامعة ردا على قضية ضرورة إعدام المدمنين
فلا فائدة من علاجهم متهكمة بقولها "إذا كان الإعدام هو الحل
الوحيد للتخلص ممن لا فائدة منه لفرغت الأرض من سكانها وقالت أخرى
إذا أخذنا الأمور بهذه الطريقة فعلينا إعدام كل مرضى السرطان الذين
لا أمل فى شفائهم".
(14) كنموذج لذلك النوع من الاستدلال أجاب أحد طلاب الثانوى ردا
على قضية أن الدروس الخصوصية ضرورية لنجاح الطلاب وتفوقهم بقوله
"أنها ليست ضرورية بدليل أن هناك طلاب أوائل على مستوى الجمهورية
لا يعرفون طريقها وآخرون يأخذونها ولا يتمكنون من النجاح"
(15) ذكرت إحدى طالبات الإعدادي فى هذا المقام إنها "توافق على
إنهاء الإرسال التليفزيونى مبكرا حتى توفر استهلاك الكهرباء"
(16) بررت احدى الطالبات رفضها إعدام المدمن بقولها "أن المدمن
إنسان مثلنا" وقالت أخرى "كل واحد منا معرض لان يكون فى مثل هذا
الموقف".
(17) رفض أحد طلاب الثانوى مسألة منع توظيف النساء لتوفير فرص عمل
للرجال بقوله "أن المرأة تساوى الرجل فى كل شئ" فى حين بررت طالبة
فى الإعدادي موافقتها بقولها "أوافق لأن النساء فى العمل لا يفعلن
أي شئ فى العمل سوى تجهيز الخضراوات فى المكاتب".
(18) قالت إحدى طالبات الاعدادى "الرأى الصواب بدلا من إعدام
المدمنين – هو إعدام من يروجون للمخدرات".
(19) ذكرت احدى الطالبات
الجامعية ردا على مسألة منع توظيف النساء لتوفير فرص عمل للرجال "ان
هناك نساء أرامل ومطلقات فى حاجة ماسة الى وظيفة". |