من المعترف به أن المحاجة إحدى الوسائل السلمية لتسوية الخلاف مع الآخرين وحل الصراعات الناشئة معهم، ومن هنا فهي بديل مشروع، وفعال، للعنف، وحيث أن المحاجة يمكن تنميتها من خلال برامج تدريبية معينة، لذا حري بنا السعي للوقوف علي طبيعة البرامج المتاحة حاليا، في الغرب، ومن أبرز تلك البرامج المستخدمة الآن في تنمية مهارات المحاجة:
1- برنامج التدريب علي حل الصراعات الشخصية.
Training in interpersonal conflict
2- برنامج تنمية مهارات التفكير الناقد.
3- برنامج تنمية مهارات التفاوض.
4- مشروع بوسطن الوقائي ضد العنف.
Boston violence prevention project (Rancer et al, 1992)
5- برنامج النسق الأكتشافى لانفنت. infant’s inventioal system, 1998
وحري بالذكر أن هذه البرامج تتم وفق تصورات وإجراءات ذات طابع مقنن حيث تجري علي أعداد محدودة من الأفراد في مدة زمنية قصيرة تتراوح بين أسبوع وأسبوعين، بمعدل جلستين أو ثلاثة أسبوعيا تستغرق ما بين ساعة ونصف إلي ساعتين تحت إشراف مدرب متخصص، ويبدأ المدرب فيها عادة بتقديم جرعة معرفية عن المحاجة، وطبيعتها، وعلاقتها ببعض المتغيرات الآخري، ومحدداتها، وأساليب تنميتها ثم يقوم بعد ذلك بعمل محاجات فعلية حول موضوعات خلافية ويقسم الأفراد إلي فريقين مؤيد ومعارض، ويطلب من كل فريق منهم طرح الادلة والحجج المؤيدة لرأيه وتفنيد حجج الطرق الآخر فى مباراة حجاجية ويلفت نظر كل منهم إلي القواعد المجاجية المتضمنة في حجج كل منهم فضلاً عن بيان أوجه الخطأ المنطقية في الحجج الأخري ويطلب منهم كنوع من الواجبات المنزلية الدخول في محاجات مع المحيطين بهم في موضوعات معينة، وتطبيق المهارات التي اكتسبوها إبان البرنامج عليها، وفي بداية الجلسات التالية يقوم بتقديم عائد إليهم حول مدى إجادتهم فى تلك المحاجات حتى يتلافوا ما وقعوا فيه من أخطأء. وبذا تزداد قدرتهم علي توليد عدد أكبر من الحجج الملائمة في المواقف الحجاجية المختلفة وبهذه المناسبة يمكننا تقديم بيانات مفصلة نسبياً حول برنامج ينسق "انفنت" الاكتشاقي كنموذج عملي لتلك النوعية من البرامج، والذى تم تطبيقه علي طلاب الصف الأول الإعدادي لحثهم علي تبني اتجاه إيجابي نحو المحاجه وتنمية قدرتهم علي توليد الحجج واستخدامها بصورة فعالة، واستمر البرنامج لمدة ستة أيام، يقدم المدرب فيه معلومات عن المحاجة وأهميتها وعلاقتها بالعدوان وبين وأسس المحاجة الفعالة، ويطرح علي الطلاب قضايا خلافيه مثل ضرورة تعلم لغات أجنبية، وهل يمكن القضاء علي الضوضاء في المدن، ويطلب منهم توليد حجج مؤيدة أم معارضة،(Roncer et. al, 1999)، ومما تجب الإشارة إليه إنه يمكننا، ويجب علينا، تصميم برامج مصرية لتنمية مهارات المحاجة تضع في اعتبارها الخصوصية الثقافية لمجتمعنا، وتدور حول قضايا حيوية بالنسبة إلي أبنائه، ويسهل تطبيقها علي نطاق واسع وبطبيعة الحال يمكن الاستعانة لبلوغ هذا الهدف بالجهود الانسانية والتراثية السابقة، وبوجه خاص، لكل من الحضارة اليونانية والإسلامية،فكما هو معروف فإن الحضارة اليونانية اشتهرت بشيوع فنون المحاجة فيها، ومن ثم فإنه من شأن تحليل محتوى المحاورات السائدة في الفكر اليوناني لافلاطون ونظرائه الوقوف علي المبادئ العامة المنظمة لعمليات المحاجة والسبل التي مارسها هؤلاء المتحاجون العظماء لتنمية مهاراتهم الحجاجيه. وكذلك فإنه من المفيد فحص المبادئ والقواعد العامة لعلم للجدل والمناظرة لدي علماء أصول الفقه المسلمين في العصور الزاهرة للحضارة الإسلامية بغية الكشف عن أساليبهم الحجاجية الماهرة فضلا عن الطرق التي اعتمدوا عليها في تنمية مهارات الجدل والمناظرة لدي تلاميذهم، وليس أدل علي ذلك من أن عالما بارزا مثل أبو إسحاق الشيرازي كتب كتابه الشهير بعنوان "المعونة في الجدل" وكذا الجوينى الذي أسمي مؤلفه في هذا المجال "الكافية في الجدل".