(5-3) التوجيهات العملية والبرامج العلمية لتنمية المحاجة:

أ- التوجيهات والإرشادات العملية لتنمية مهارات المحاجة:


يقترح الباحثون في مجال المحاجة مجموعة من الإرشادات والتوجيهات التي من شأن تمثلها من قبل الفرد، ومحاولة توظيفها في المواقف الحجاجية التي يواجهها في حياته اليومية في المجالات المختلفة - تنمية وزيادة فعالية مهاراته الحجاجية علي النحو الذي يعظم ما يجنيه من فوائد كداله للاستخدام الأمثل لها فضلاً عن الحد من وتقليص ما قد يتعرض له من مشكلات من جراء تدني مستواها أو استغلالها بصورة غير حكيمة، وتتمثل أبرز تلك الإرشادات في:


1- إذا أردت أن تغير شيئاً عليك بمواجهته (باترسون 1995، 4)، إن نقطة البداية الناجحة لأي محاج تتمثل في إدراكه أن أفضل وسيلة للتعامل مع أي مسألة خلافية أو مشكلة مع طرف ثاني هي المواجهة التي تعتمد علي الحوار المنطقي العقلاني فحوار الكلمات أكثر إثمار دوما من حوار اللكمات، لذا عليك أن تتقبل فكرة الدخول في محاجة مع الآخرين باعتبارها الوسيلة الضرورية لتغيير أفكارهم السلبية حول الموضوع مناط الخلاف، ومحاولة إقناعهم بأفكارك التي تري أنها مفيدة حوله. ولا تنسي أن أعتي الصراعات لم تحسم في نهاية المطاف إلا علي مائدة المفاوضات بعد انقشاع غبار المعارك، أو علي منصات المحاكم، وفي كل الحالات تكون عمليات المحاجة هي السلاح الرئيسي المستخدم فيها.

 


2- يجب أن تحكم علي ما يقوله الفرد أو يفعله في ضوء السياق الذي يقال فيه، وليس علي ما قيل بالفعل (نفس المرجع السابق، 66)، ذلك أن من بين الأسباب الرئيسية لسوء الفهم بين الناس، وما قد يترتب عليه من مشكلات أكبر، قيام الفرد بإصدار حكم متسرع ذات طابق جزئي على ما يراه فى الاعتبار العناصر الأخري التي من شأن إدراكها تغيير هذا الحكم، فعلي سبيل المثال، حين تري مرءوساً يتحدث مع رئيسه بطريقة منفعلة قد تتسرع وتحكم عليه بأنه متهور، وغير مهذب، ولكن حين تعلم أن هذا الرئيس قد تخطاه دون وجه حق في الترقية قد تعدل من حكمك السابق. ولعل في قصة سيدنا موسى مع الخضر عليه السلام (الرجل الصالح) مثالاً بارزاً لهذا الموقف.

 


3- تذكر أنك في المحاجة تنقد مواقف وأراء الشخص، أما في العدوان فأنت تنتقده شخصياً، والموقف مختلف بالطبع في الحالتين لأنه إذا أدرك الفرد أنك تبدي ملاحظات علي ما يقال، وبطريقة عقلانية هادئة، فقد يستجيب لك ويعيد النظر في أفكاره أما إذا شعر بأنك تهاجمه شخصياً فسيستنفذ كل طاقاته للدفاع عن نفسه، وقد يتبني حيالك حينئذ استراتيجية أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، ومن ثم سيصب جام غضبه عليك، فعلي سبيل المثال حين يمتدح أحد الزملاء فريقاً معيناً لكرة القدم بوصفه أفضل الفرق علي الساحة لا تقل له أنك لا تفهم في الكرة أو أنت متعصب، فهذا سلوك عدواني، بل قل له أن ما تقوله رأي شخصي والواقع لا يسانده لأن هذا الفريق لم يفز بالبطولة منذ عدة أعوام مثلاً.

 


4- حين تقرأ، أو تسمع، بيانات معينة يجب عليك أن تسأل نفسك أولاً: ما مصدر تلك البيانات؟، فليس كل شئ مطبوع حقيقي. وهل هي عبارة عن حقائق أم مجرد آراء، فالأولي غير قابلة للنقاش بعكس الثانية. وما تاريخ هذه البيانات؟ فما هو صحيح منذ عشر سنوات قد لا يكون كذلك اليوم؟ (Verderber, 1991: 334)، وهل البيانات متصلة بالموضوع أو لا؟، وهل ثمة تناقض بينها أم لا؟ فعلي سبيل المثال حين يقول أحد الكتاب أن شباب اليوم لا يقرأ عليك أن تسأله هل هذا الحكم صدر بناء علي إحصاءات حول معدلات مبيعات الكتب وارتياد الشباب للمكتبات العامة أم مجرد رأي شخص؟، وإن كان يعتمد علي إحصاءات فهل هي معاصرة أو حديثة؟، وإن كانت معاصرة فهل وضعت في الاعتبار استخدام الشباب للإنترنت كوسيلة للقراءة أم اكتفت بمؤشر واحد فقط ألا وهو ارتياد المكتبات العامة أو معدل مبيعات الكتب وإن كان الأمر كذلك فهل حددت تلك الإحصاءات الشرائح العمرية لمشتري الكتب أم أن هذا لم يحدث، وبالتالي لا يصح الاستدلال بهذا المؤشر علي صحة دعوى الكاتب؟

 


5- افحص بدقة علاقة السببية في الأحداث المتحاور بشأنها، فهل البيانات المقدمة كافية بمفردها لتستخلص منها سبب الحدث؟، فعلي سبيل المثال هل عدم أخذ الطالب قسطاً كافياً من النوم ليلة الامتحان هو سبب انخفاض درجاته أم أن هناك أسباب أخري أكثر أهمية مثل تبنيه أسلوب التخمين أثناء مذاكرته أو قلقه المفرط أثناء الامتحان. وتأكد أيضاً من أن العلاقة بينهما تفاعلية متبادلة فعلي سبيل المثال حين يقول أحدهم أن عزوف الشباب عن المشاركة في عملية الانتخابات تعني عدم وجود وعي سياسي لديهم – فإن الرد عليه قد يتمثل في عملية التفاعل المتبادل فضعف الوعي السياسي يقلل نسبة المشاركة، وانخفاض المشاركة يضعف الوعي السياسي. وثمة احتمال ثالث ألا وهو أن هاتين الظاهرتين تعزيان إلي متغير ثالث ألا وهو الشعور بعدم أهمية الصوت الانتخابي في تعديل الأوضاع السياسية بشكل جذري في المجتمع.

 


6- أفصل بين الرأي وخصال صاحبه فليس هناك اقتران بالضرورة بينهما، فعلي سبيل المثال حين يوصينا أحد نجوم الكرة باختيار عطر معين في إعلان تليفزيوني فهذا لا يعني أنه العطر الأفضل لأنه ليس متخصصاً في العطور بل يمكنه فقط الإدلاء بآراء دقيقة حول مستوي أداء لاعبين آخرين، أي يجب عليك الاعتماد علي معايير ومحكات موضوعية للحكم علي الرأي وليس مجرد الانجذاب إليه بتأثير هالة صاحبه، وهنا لا يفوتنا التنويه للمقولة الشهيرة للأمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "لا تعرف الحق بالرجال ولكن أعرف الرجال بالحق".

 


7- تمهل في القابلية لتصديق الأرقام فالإحصاءات ر تكذب ولكن لاحظ أن الكذابين قد يضعون إحصاءات، وتذكر، دوما، أن الأهم من الإحصاءات الطريقة التي تم الحصول عليها بها، فحين يقول أحدهم أن الطفل المصري من بين أذكي أطفال خمس دول في العالم حتى سن السادسة، علينا أن نبادر بالسؤال: كيف حصل هذا الشخص علي تلك البيانات؟ وكيف تم التوصل، منهجياً، لها ابتداء، ومن فعل ذلك؟

 


8- جهز حججاً حول جانبي الموضوع سواء كانت مؤيدة أو معارضة حتى تستطيع أن تتوقع ما سيقوله الطرف الآخر، ومن ثم يكون لديك ردوداً عليها، فعلي سبيل المثال حين تقوم بمحاجة أحد مدخني السجائر حول أضرار التدخين توقع ما قد يقوله حول مزاياها بالنسبة إليه (فهو يعتقد أنها تقلل توتره، وتساعده علي التركيز، وتجذب الأصدقاء إليه) وجهز ردودك بشأن ذلك (فهي إن كانت تقلل التوتر فعلا فلماذا يتناولها بصورة متكررة فهذا يعني أن توتره متواصل وبذا فهي لا تقلله، أما التركيز فمن المعروف أن هناك الكثيرين من شاغل المهن التي تتطلبه لايدخنون إذن فالعلاقة وبينهما ليست علاقة السبب بالنتيجة، وفيما يتعلق باجتذاب الأصدقاء فمن المعروف أن الصديق ينجذب لصديقة بسبب عوامل نفسية ووجدانية وفكرية وليس لأنه يدخن) ولكن تنبه إلي أنه علي الرغم من أن التركيز علي جانبي الحجه أثناء المحاجة يعد الأسلوب الأفضل في حالات عديدة إلا أنه في بعض الحالات فإن الحجة ذات الجانب الواحد تعد أكثر تأثيراً في منخفض الذكاء حين تحاججهم لأن ذات الوجهين تصيبهم بالحيرة ومن ثم فهم لا يفضلونها (Baldwin, 1992 )، أما مرتفعي الذكاء فإن الحجة ذات الوجه الواحد تقلل مصداقيتك في عقولهم.

 


9- كن واعيا بالأسس المنطقية التي يبني الآخر عليها استدلالاته، فعلي سبيل المثال إن قال إن طالبات الجامعة ليس لديهن اهتمامات ثقافية ويصرفن كل اهتمامهن علي مظهرهن. فمثل هذا الفرد يقوم هنا بعملية استقراء أي يصدر حكماً عاماً علي فئة بكاملها من خلال ما شاهده من حالات محدودة لا تمثل بطبيعة الحال كل الجمهور الذي يتحدث عنه لأنها عينة متميزة وغير عشوائية، فهناك الكثير من الطالبات المتفوقات والمشاركات في الأنشطة الفكرية والمهتمات بالشأن العام فضلاً عن أن الاهتمام بالمظهر نشاط مصاحب للاهتمام بالثقافة ولا يوجد ثمة تعارض بينهما. ومن هذا المنطلق يستطيع أن يثبت خطأ عملية الاستقراء التي قام بها وبالتالي فعندما ذهب إليه من آراء.

 


10- أفصل بين الأعراض الظاهرة وبين الأسباب الجوهرية، فليس ما يظهر أمامنا من علامات يعتبر سبباً للظاهرة موضوع اهتمامنا بل قد يكون مجرد عرضاً لها، فعلي سبيل المثال يعتبر الارتجاف عرضاً للمرض ولكنه ليس سبباً له، والسرحان يعد مظهر لوجود مشكلة تحصيله لدي الطالب ولكنه ليس سبباً لتلك المشكلة بالضرورة، وحين يقال أن أحد الزملاء لا يستمر في عمل واحد إلا فترات قصيرة، أي يغير عمله بمعدل مرتفع، فلا ينصرف ذهننا إلي أن هذه هي مشكلته ولكن هذا التغيير هو مجرد وعلامة علي وجود هذه المشكلة لان لب المسألة حينئذ طبيعة العوامل التي تجعله لا يتأقلم مع المهم والزملاء والرؤساء الذين يتعامل معهم فيها،هو ما يجب أن نعطية الاهتمام الرئيسي حتى نتمكن من التغلب علي تلك المعضلة.

 


11- ميز بين الواقعة والرأي، فحين يقول باحث أنه وجد أن البنات في عينة بحثه أكثر طلاقة من البنين، وهذا يعني أنهن أكثر ذكاء فعلينا أن نصدق الشق الأول في كلامه لأنه واقعة طالما استخدم خطوات المنهج العلمي للتوصل إليها أما الشق القائل أنهن أكثر ذكاء فهذا رأي قد يجانبه الصواب، لأن الذكاء يتكون من مهارات متعددة، وليس فقط من الطلاقة اللغوية، ومن ثم فهناك فرصة لكي يتفوق البنين علي البنات في بقية القدرات.

 


12- اعتمد علي استخدام الأمثلة في كلامك لتساعدك علي تحديد ماذا تعني، والمستمع أيضاً، بوصفه وسيلة معينة علي الفهم وتوضيح المعني، ويفضل أن تدور تلك الأمثلة حول الأشياء الأكثر إتاحه لعقول المستمعين، فعلي سبيل المثال يمكن تقريب عملية التوازن الذاتي في الجسم للمستمع من خلال ضرب مثال بطريقة عمل الثلاجة أو التكييف، وليس نظام الإنذار ضد الحريق مثلاً فهو أقل أتاحة للمستمعين.
ولا تنسي أن المثال يساعد المستمعين علي فهم وتثبيت المعلومة وخاصة حين يكون قريب من مفردات حياتهم اليومية كأن تقول حين تخاطب مجموعة من القرويين في معرض الإشارة إلي ضرورة بذل الجهود المكثفة في تربية الأبناء في السنوات الخمس الأولي بأن الطفل كالنخلة لذا يحتاج فى البداية عناية مكثفة لمدة طويلة.

 


13- تجنب إصدار أحكام ذات طابع تعميمي مفرط لا تقوم إلا علي ما يقع في إطار خبرتك المباشرة (ذات الطابع المحدود وغير الممثل لخبرات الذين تتعامل معهم والذي يفترض تعرضهم لخبرات مختلفة أيضاً) للتدليل علي صحة ما تدعي كأن تقول لإثبات صحة اتباع أسلوب الضرب في المدارس لتحسين التعليم أنني أعرف أسر من جيراني المتفوقين يضربون أبنائهم، أو أنني ضربت وأنا صغير لذا فأنا متفوق، فمثل هذه الأحكام الجزافية تقلل من مصداقيتك وتعطي انطباعات سلبية عنك لدي الأخرين.

 


14- تقبل احتمال صحة بعض ما يقال ضدك، فهذا من باب النقد المباح، والذي يعد البوابة الملكية لتطوير نفسك من خلال تلافي تلك العيوب، وحاول أن تشعر الأخر أن أحكامك قابلة للمراجعة حتى يقبل علي التحاور معك. وتذكر أن شعور الأخر أنك الفقر سيجعله يمتنع عن ذلك إن كان حريصا علي عدم فقدانك، ومن ثم ستخسر النصيحة الأمينة والعين الثانية التي تري عيوبك حتى تتجنبها، وفي المقابل فإنه إن كان غير حريص علي علاقته بك سيعتمد إشهار هذا السلاح وإغماده في نفسيتك حتى يكدر عليك صفو حياتك بل قد يميل إلي تصيد أغلاطك حتى يستغلها ضدك فيما بعد.

 


15- قياس الإحراج (الخيار صفر): من أبرز ممارسات السوفسطائيين ما يطلق عليه قياس الإحراج حيث يطرح الفرد بديليين كلاهما مكروه وضد مصلحة الطرف الآخر، وعليه أن يختار أحدهما، وبالتالي فالخيار كأنه صفراً. ومن أشهر الوقائع الدالة على ذلك ما حدث بين "بروتاجوراس" وأحد تلاميذه حيث اتفق معه على أن يعلمه فن الجدل (السفسطة) ليصبح مؤهلاً للاشتغال بالمحاماة على أن يدفع له نصف الأجر مقدماً والنصف الآخر بعد أن يتم تعليمه، وعلامة ذلك أن يكسب التلميذ أول قضية يترافع فيها أمام المحكمة، وبطبيعة الحال لا يدفع مؤخر الأتعاب إذا خسر أول قضية، وبعد أن تعلم التلميذ لم يشأ أن يقبل أي قضية تأتيه ليترافع فيها ضارباً عرض الحائط بإلحاح أستاذه للذهاب للمحكمة حتى يدفع القسط المؤجل. فما كان من بروتاجوراس إلا أن يقاضيه أمام المحكمة …
- حيث قال للقاضي: إذا خسر التلميذ هذه القضية وجب عليه دفع القسط بمقتضى حكم المحكمة، وإذا كسبها وجب عليه الدفع بمقتضى الاتفاق المبرم بيننا.
- وكان رد التلميذ: إذا كسبت القضية فسوف لا أدفع القسط المؤجل بموجب حكم المحكمة، وإذا خسرتها – وهي أول قضية أترافع فيها – فسوف لا أدفع القسط بمقتضى الشرط المبرم بيننا (مهران، 1994، 289). ومن الوقائع المعبرة عن هذا النمط من القياس أيضاً أن القاضي أبا يوسف رفض قبول شهادة كبير وزراء الرشيد الفضل بن الربيع في قضية مطروحة أمامه، فاستدعاه الرشيد وسأله عن سبب رفضه قبول شهادة كبير وزرائه، فأجاب القاضي أبو يوسف: إني سمعته يوماً يقول لك: أنا عبدك. فإن كان صادقاً فلا تقبل شهادة العبد، وإن كان كاذباً فكذلك (القاضي، 2001، 26). ويعبر "أوبوليد" عن مثال آخر لهذا النمط من المغالطات بقوله: إذا قال إنسان إني أكذب فإذا كان يكذب بالفعل فهو صادق، وإذا كان ما يقول صادقاً فهو يكذب إذن، وبالتالي ليس صادقاً (روبيير بلانش، 2003، 339)، أو تلك الأم الأثينية التي قالت لولدها: إذا قلت الصدق كرهك الناس، وإذا كذبت كرهتك الآلهة. فرد عليها أبنها قائلا: بل أني إذا قلت الصدق أرضيت الآلهة، وإذا قلت الكذب أرضيت الناس (العبد، 1978: 59، 92).
وحري بالذكر أن حياتنا اليومية تمتلئ بمواقف يضعنا فيها الآخرون في مثل ذلك المأزق كأن يقول لك صديق اقرضني بعض المال فإن رفضت فأنت لست صديقي، وإن أقرضته ضاع مالك الذي أنت في أمس الحاجة إليه؛ لذا عليك باقتراح بديل ثالث قد يكون إبداعيا مثلما فعل أحد دهاة العرب حين قال له أحد المقترضين: لي عندك مسألتان الأولي أن تقرضني ألف دينار والثانية أن تمهلني سنة فقال له: سأقضي لك إحداهما فقط وهي الثانية وسأمهلك سنتان.

 


16- طالب الآخر حين يعرض عليك حججا معينة لإقناعك بموقفه بتفصيل ما أجمل وبيان الأدلة التي يستند إليها، والتأكد من التطابق بين التواريخ والأشخاص، وتسلسل الأحداث، وعدم تناقضها مع الواقع (أين سينا، 1966م)، فعلي سبيل المثال حين يسعى أحدهم لإقناعك بالانضمام إلي جمعية من جمعيات المجتمع المدني عليك أولا مطالبته بعرض أهدافها بوضوح، وأنشطتها المعاصرة ومدي ومشروعيتها،وهوية القائمين عليها، ومصادر تمويلها، وهل ثمة تعارض بين نظامها الأساسي ونشاطها الفعلي، وهكذا وحين يسعى أحدهم لإقناعك بدور أشخاص معينين في نشأة الحركة الوطنية المصرية أنتبه للتسلسل التاريخي للأحداث ومدي مطابقة الأسماء التي يطرحها للحقب الزمنية التي يذكرها فلا يمكن مثلا أن يأتى بدور الزعيم سعد زغلول قبل دور الزعيم مصطفي كامل.

 


17- استخدم حججك فى الوقت المناسب، "فغرزة في الوقت المناسب توفر علينا اتساع الجرح وعمل تسع غرز"
"A stitch in the time save nine" (وجيه، 1994: 91) أي أن استخدام الحجة في الوقت المناسب يوفر عليك استخدام المزيد من الحجج فيما بعد. وثمة قصة رمزية تاريخية شهيرة توضح أهمية هذا المسألة قوامها أن أحد الملوك أراد محاكمة قائد إحدى قلاعه العتيدة التي سقطت فى أيدي العدو وسأله عن سبب سقوط القلعة، فقال له القائد: يا مولاي هناك عشرة أسباب مسئولة عن هذه الهزيمة أولها أنه لم يكن لدي سلاحا كافيا وطالبت قائد الجيش مراراً بتزويدي بالأسلحة الضرورية لتمكينى من الدفاع عن القلعة، أما السبب الثاني وهناك أشار إليه الملك بالتوقف وقال له: يكفي هذا ولا داعي لذكر بقية الأسباب فبدون سلاح لا يمكن لقائد أن ينتصر وهنا تكمن حكمة القائد الذي استطاع أن يرتب الحجج ترتيبا تنازليا صحيحا ويبدأ بأهمها لأنه لو كان فعل غير ذلك وبدأ بذكر الححج الأقل أهمية كان من المحتمل إلا يمهله الملك ليصل إلي الحجة الحاسمة ويطيح برأسه.

 


18- لا تتسرع في تفسير سلوك الأخر فقد يحمل دلالة مختلفة تنبع من خصوصية ثقافته، فعلي سبيل المثال عندما شاهد الرئيس جمال عبد الناصر صور لجونسون رئيس أمريكا وهو يضع قدميه فوق مكتبه علق قائلا "إن هذا الرجل مغرور" مع أن هذا الأسلوب مألوف في الثقافة الأمريكية، وكذلك فإنه في اليابان فإن هز الياباني رأسه لا يعني الموافقة بل يعني أنه يستمع لما تقوله (نفس المرجع السابق، 143).

 


19- قلب الحجة: طريقة قد تكون فعالة في حالات معينة بيد أنها قليلا ما سستخدمها المحاج وتعنى استخدام الحجة علي محمل مضاد للذي قصده الطرف الأخر، كالذي يقول المرأة العاملة تقضي معظم وقتها خارج المنزل لذا فهي تهمل شئونه، فنقول له إنها تحصل إبان ذلك علي خبرات عديدة تجعلها تنمي قدرتها علي إدارة شئون منزلها بصورة أكثر كفاءة حتى وإن كان الوقت المتاح لها أقل. وثمة مثال أخر مستمد من كتب التراث مفاده: أن يستدل الحنفي في جواز ترك قسمة الأراضي المغنومه بأن النبي صلي الله عليه وسلم ترك قسمة بعض أرض خير، فيقول الشافعي: هذا حجة لي لأنه يعني أنه قسم بعضها، وفعل يقتضي الوجوب (الشيرازي، 1988: 191)،وهناك عبارة شهيرة في أحد الأفلام المصرية (الفتوة) تعبر عن هذا الموقف حين قال هريدى (فريد شوقي) إلي زكي رستم المعلم سلطان) حين فوجئ لما رأه نجي من المؤامرة التي دبرها لقتله "أنا زي القطط بسبع أرواح" فقـال لـه المعلم سلطان) "أنت زي القطط بتاكل وتنكر".

 


20- قل ما تريد ولا تدع الأخر يستنتج ما تريد حتى لا يحدث سوء فهم، فعلي سبيل المثال لا تقل لصديقك "أنا أشعر بالملل" ولكن قل "هل تخرج معي إلي نزهة لأتخلص من هذا الملل الذي أشعر به"، لأنك في ظل العبارة الأولي قد تثير اعتقاداً، وإن كان غير صحيح، بأنك تشعر بالملل من وجود، أو لديك مشكلة نفسية، أو أنك تريد مجرد الخروج. أما في ظل العبارة الثانية فالأمر واضح لا يحتمل هذه التأويلات المتعارضة (شوقي، 1998: 340)، وحين تريد إظهار عدم اقتناعك بحجة يقولها الأخر لا تكتفي بإظهار علامات الأمتعاض علي وجهك، ولكن قل له يوضـوح ذلك وحـدد له جوانـب اعتراضك علي ما يقول، بل وحاول طرح حجة مضادة قد تغير بها موقفه.

 


21- استخدم السؤال كوسيلة اتصالية بكفاءة فهو يجعل الطرف الأخر أكثر دقة ويقظة في حضورك فضلا عن أنه يزودك بالمعلومات التي تريدها، ويساعدك علي التحقق من فهمك لموضوع النقاش، والشخص الذي يتحدث معك، ويجب أن تحرص علي ألا يشتم منه أنه وسيلة للاستدارج حتى لا تفسد الموقف (هاينز 1998: 74- 77). وتتمثل أهمية مهارة استخدام الأسئلة في المحاجة سواء كانت ذات طابع استفهامي أواستنكاري في أن الفرد يستطيع أن يحصل من خلال الأستخدام الملائم للأسئلة علي معلومات جديدة، والربط فيما بينها وبين الحالية لتشكيل نظام أكثر إحكاما من المعرفة (1994 King,).
ومما يشير إلي أهمية الأسئلة أن عالم الفيزياء الشهير إيزادور رابي "Isador Rabi" الحاصل علي جائزة نوبل في الفيزياء ذكر أن أمه كانت تسأله حين يأتي من المدرسة، وهو طفل، "ليس ماذا تعلمت"، ولكن ما هي الأسئلة الجيدة التي سألتها اليوم.؟ وهو ما شجعه علي تنمية العقل المتسائل والناقد لديه (Ibid) وكما تعلمون فالباحث ما هو إلا إنسان يطرح المزيد من الأسئلة علي الطبيعة ليصل علي إجابات عنها بمنهجه العلمي، ولا يفوتنا التنوية إلي أن أهل التراث من علماء والحضارة الإسلامية الأكارم أدركوا أهمية السؤال في تطوير الأنسان والعلم فقالوا: السؤال شطر العلم.

 


22- تجنب استخدام الألفاظ ذات المعني المزدوج (الإشاري والدلالي) قدر المستطاع مثل كلمة ريفي التي قد تعني أن هذا الشخص قادم من الريف أو أنه يستمسك بمجموعة من القيم الأصيلة أو محدود الخبرة، وابتعد عن الكلمات التي تنطوي علي المبالغة "فبدلا من أن تصف شيئا بأنه ضخم" صفه بأنه "كبير الحجم" وحين تقيم شخصا لا تقل عنه "لا مثيل له" بل قل أنه "ممتاز" (شوقي وآخرون، 1995: 292).

 


23- نوع في أفكارك، وزوايا رؤيتك للموضوع، وحلولك للمشكلات، وكذلك في ألفاظك، فهذا مؤشر للمرونة الفكرية، والكفاءة المعرفية، فضلا عن أن التنويع كما يقول "شرف" أسلوبا ناجحا لعلاج الرتابة، وشد انتباه الطرف الآخر، فعلي سبيل المثال لا تكرر كلمة "صرح" بل قل أيضا: أعلن، وأكد، وقال.
24- قدم اعتراضك أو تحفظك علي حديث الآخر وأفكاره دوما بصورة إيجابية فبدلا من أن تقول للرئيس "أنا اعتقد أن أسلوبك الجديد سيسبب إزعاجا للعمال" قل "تري هلي يمكن أن يشعر كل العمل بالإرتياح من هذا الأسلوب" (Hellriegel etal, 1986: 219).

 


25- عندما تبدأ إجابتك علي شخص ما ينبغي أن تحذف كلمة أنا أختلف إذ أنه بمجرد سماعه لها سيتخذ موقفا دفاعيا علي الفور، ويصرف كل تفكيره ليس إلي الاستماع إليك ولكن كيفية كشف مواطن الخطأ فيما تقول (شوقي وآخرون، 1995: 297).

 

 

تابع بقية الإرشادات بالضغط على الرابط بأسفل الصفحة