5-3 التوجيهات العملية والبرامج العلمية لتنمية المحاجة

37-   تأكد من ترتيب الأولويات والأسباب بدقة: من المفروض أن كل حدث مسئول عن حدوثه العديد من الأسباب ولكل منها إسهام نسبي مختلف، أي أنه بالإمكان ترتيبها ترتيباً تنازلياً من أعلاها إلى أدناها إسهاماً، وبناءً عليه يجب على المحاج أن ينتبه إلى مدى التزامه، والتزام الطرف الآخر بتلك القاعدة، فقد يكمن الخلاف بينهما في تلك المسألة فقد يكونا متفقين على الأسباب بشكل عام، ولكن الخلاف الرئيسي بينهما يتمثل في الأهمية النسبية لها فما يعتقده الآخر أنه أكثر الأسباب أهمية لا يعدو من وجهة نظره سوى أقلها اعتباراً. ولعل هذا ما حدى بالجويني إلى القول أن من آداب الجدل: التعلق عند الاستدلال بأقوى ما في المسألة (الجويني، 1979، 131). وهناك مثال واضح يجسد ذلك الموقف حيث قام أحد المتخصصين في علم الاجتماع بتفسير أسباب الحجاب على النحو التالي:

- اعتبار المرأة بعد هزيمة 1967 أنها أصل الفساد وسبب الهزيمة لذا يجب عليها تغطية شعرها.

- خروج الإخوان المسلمين من السجون في السبعينيات.

- هجرة العمالة المصرية لدول الخليج وتأثرهم بالثقافة الوهابية.

- شعور النساء بالخوف من الانحراف بعد غياب أزواجهن فلجأن لارتداء الحجاب.

- تأخر سن الزواج وانتشار العنف الجنسي مما دفع بالنساء للتحجب لحماية أنفسهن.

- خروج المرأة للعمل وارتداء الحجاب حتى لا تثرن القيل والقال من حولهن.

- تأثير الصديقات المحيطات بهن.

- أسباب شخصية من قبل التعرض لأزمات نفسية

أما التدين فهو ليس السبب الرئيسي (روز اليوسف، 5/12/2003، 64).

نلاحظ هنا أن المتخصص ذكر معظم الأسباب التي قد تكون مسئولة عن الحدث بالفعل بيد أن الخلاف مع معارضيه الذين يتحاج معهم يتمثل في ترتيب أولوية كل منها فما يضعه المتخصص في سفح القائمة قد يكون هو السبب الذي يجب أن يتصدر تلك القائمة في تقديرهم وهكذا..

38- إحرص على أن تكون عقليتك تصنيفية وتأكد من دقة تصنيفات الطرف الآخر: إن العقلية المنطقية لا تتعامل مع المفردات أو الأحداث بصورتها الخام، خاصة حين تكون كثيرة، وإنما تسعى لاصطناع فئات تصنيفية لها حتى يسهل تناولها بواسطتها ومن ثم استخلاص الدلالات المطلوبة منها، ومن المفترض أن بعض الأخطاء قد تقع أثناء القيام بتلك العملية من قبيل أن تكون الفئات غير مستوعبة للتفاصيل، أو تكون الفئات متداخلة مع بعضها البعض، أو تكون هناك فئات لا يندرج تحتها مفردات، أو تكون تسمية الفئات غير متطابقة مع محتوياتها من المفردات وهكذا ومن ثم على المحاج أن يفحص تلك الجوانب ويتحقق من استيفائها حتى يتمكن من فهم المسألة والتعامل معها بصورة فعالة. وهناك أمثلة متعددة تعبر عن تلك الحالات منها: حين يصنف أحد المراهقين المحيطين به من الزملاء في ثلاث فئات إما يحبونه أو يكرهونه أو لا يهتمون به فعلينا أن نلفت نظره إلى احتمال وجود فئات أخرى مثل من يتجنبونه بسبب سلوكه غير الملائم معهم أو من يحترمونه ولكن ليس لدرجة أن يحبونه، أو من يعتبرونه مجرد زميل ليس أكثر ولا أقل وهكذا وكذلك حين يقوم أحد المتحاجين بتصنيف شخصية المصريين بأنها إما مسالمة أو عدوانية فعلينا أن نوضح له أن هناك فئات أخرى من الشخصية فهناك المنسحب، والمتفاني، والساخر، والعملي. ومن زاوية أخرى فقد تكون العناصر المصنفة تدخل في فئة أخرى غير التي يقترحها الآخر، فعلى سبيل المثال حين يشير إلى أن العزوف عن المشاركة في الانتخابات تدخل في إطار سمة السلبية بوصفها إحدى سمات الشخصية المصرية فعلينا أن نوضح أنها قد تنتمي إلى فئة أساليب الاحتجاج أو الاعتراض السلمي على أوضاع غير مقبولة أو عدم الرضا عن مستوى المرشحين أو طرق ترشيحهم وهكذا .