5-3 التوجيهات العملية والبرامج العلمية لتنمية المحاجة
25- عندما تبدأ إجابتك علي شخص ما ينبغي أن تحذف كلمة أنا أختلف إذ أنه بمجرد سماعه لها سيتخذ موقفا دفاعيا علي الفور، ويصرف كل تفكيره ليس إلي الاستماع إليك ولكن كيفية كشف مواطن الخطأ فيما تقول (شوقي وآخرون، 1995: 297).
26- حاول أن يكون تفكيرك شبكيا شرطيا بمعني أن الحدث الواحد أو النتيجة الواحدة هي محصلة تفاعل أكثر من سبب في نفس الوقت، وأن حدوثها يتوقف عليها ومشروط بوجودها فعلي سبيل المثال، إن ثورة صديقك عليك لا تعزي فقط لأنه عصبي بل قد تكون تطاولت عليه أو أن ثمة مشكلات أسرية يعاني منها، أو أن حدثا غير مريح تعرض له توا قبيل لقاءك معه، أو أنه يشعر بإحباط لسماعه نبأ غير سار.
27- أحذر من أن تكون ممن يستخدمون تفكيرهم لمناصرة حكم تم إصداره سلفا علي أساس من التحيز والعاطفة، وتجنب اللجوء إلي تقييم المعلومات بصورة متسقة مع رغباتك، والميل للبحث عن معلومات انتقائية تؤكد أختيارك، وتجاهل ما يتعارض معها، حتى تعقلن النتيجة المتحيزة، فعلي سبيل المثال قد يميل فرد له اتجاه متعصب ضد الأقليات إلي تصيد، وتجميع، وتذكر الجرائم، والمخالفات التي ارتكبها أبناء تلك الطائفة ليقنع نفسه بأنه محق في اتجاهه الكار لهم، ويتغاضى في ذات الوقت عن أن نسبه أكبر بكثير من أبناء الأغلبية التي ينتمي إليها قد ترتكب جرائم مماثلة أو أكثر بشاعة.
28- تأكد من أن التواريخ المذكورة تتسق مع الوقائع: عادة ما يلجأ الطرف الآخر في المحاجة إلى الاستدلال على صحة وقائعه ودقة أدلته بإيراد تواريخ معينة والاستدلال بروايات أشخاص عايشوا الواقعة ومن هنا يجب على صاحب العقلية الحجاجية الدقيقة أن يفحص تلك التواريخ ويتأكد أنها متطابقة مع الواقعة فقد تكون حدثت قبلها أو بعدها بفترة طويلة، وكذلك عليه أن يتحقق من أن الأشخاص الذين يعتمد عليهم الطرف الآخر لإثبات الواقعة قد عاصروها بالفعل، فقد يؤدي هذا التدقيق إلى التأكد من أن هؤلاء لم يكونوا معاصرين للواقعة ومن ثم يثبت عدم صحتها ابتداء، وحتى إن عاصروها فقد تكون رواياتهم غير صحيحة، فما آفة الأخبار إلا رواتها (شرف، 1980، 146). وهناك أمثلة كثيرة على ذلك منها، على سبيل المثال، إن الدفاع الجوهري في أحد القضايا المطروحة على القضاء تمثل في أن الشهود قد حددوا الساعة الثالثة مساء وقتاً لحدوث الجريمة بيد أن تقرير الصفة التشريحية من قبل الطبيب الشرعي أثبت أن الجثة في هذه الحالة كانت في حالة تيبس، وكما هو معلوم فإن التيبس يحتاج لحدوثه إلى ما يترواح ما بين 8-12 ساعة، أي أن القتل قد حدث قبل هذا التوقيت بفترة طويلة نسبياً، ومن ثم فإن هؤلاء الشهود غير صادقين(القاضي، 2001، 83) مثال تاريخي شهير يدلل على صحة هذه القاعدة قوامه أن المؤرخين الذين اتهموا سيدنا عمر بن الخطاب بإحراق مكتبة الإسكندرية قد قام بعض المؤرخين الأوروبيين المسيحيين بدحض اتهامهم استناداً إلى أن الرواية التي تضمنت هذا الاتهام كتبت بعد خمسة قرون ونصف من فتح الإسكندرية، فضلاً عن أن المؤرخ "حنا فلبيوتوس" الذي قيل أنه خاطب عمرو بن العاص في شأن المكتبة وهو ما حدا بسيدنا عمر بن الخطاب لإحراقها، لم يكن حياً في أيام فتح العرب لمصر، فضلاً عن أن تلك القصة ظهرت في عصر الحروب الصليبية مما يرجح احتمال حدوث التلفيق فيها (العقاد، 1979، 267-273). خلاصة القول عليك حين تسمع حججاً تتضمن تواريخ وأشخاص أن تسأل نفسك أولاً: هل هذه التواريخ معاصرة للواقعة أم لا؟ وهل هؤلاء الأشخاص عاشوا أيامها أم لا؟