5-3 التوجيهات العملية والبرامج العلمية لتنمية المحاجة

29-   قم بإعادة تعريف المفاهيم المستخدمة أو تأكد من دقتها: كما أن الحروف هي المادة الخام للغة التي ينسج منها الشعراء أجمل وأعذب الأشعار، كذلك فإن المفاهيم هي الأساس الذي يقوم عليه الحوار، وما يجري فيه من محاجة، وبناء عليه فإن قدرة الفرد على إدارة عمليات حجاج فعالة يتوقف، بدرجة ما، على قدرة المحاج على أن يحدد مفاهيمه بدقة، وأن يدفع الطرف الآخر لذلك أيضاً، فضلاً عن قدرته على إعادة تعريف المفهوم بصورة تتناسب مع موضوع المحاجة. فعلى سبيل المثال من المغالطات المعروفة في حوارات العلمانيين مع المتدينيين أنهم ينطقون كلمة علمانية Secularism  بكسر العين وسكون اللام والذي يوحى خطأ بنسبتها إلى العلم، الذي أصبح من قوى القرن العشرين، وهو ما يضفي قيمة أكبر على المفهوم، مع أن نطقها الصحيح عالمانية (بفتح العين واللام) لتدل على معناها وهو النزعة الدنيوية المهتمة بشئون هذا العالم الذي نعيش فيه وليس العالم الآخر أو الغيب الذي يعنى به الدين (يحيى، 1985، 11) أي أن العلماني هو الدنيوي المهتم بدنياه على حساب آخرته، وليس العالم الموضوعي الذي تتسم رؤيته بالموضوعية، وبطبيعة الحال فإن هذا الخلط يعلي من شأن العلمانية ويعطيها مزية ليست فيها. فالمتدين المسلم أيضاً يعني بشئون الدنيا كما الآخرة "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"، وبهذا فإنه في الثقافة الإسلامية، على غير الحال في أوروبا، يمكننا أن نتحدث عن مسلمين علمادينيين. وهناك أمثلة أخرى من قبيل من يقول لموظف عام أمين يرفض الرشوة لتمرير أمر يضر بالمصلحة العامة: كن مرناً، فعليه أن يبادره بالقول: تقصد أن أكون متسيباً. فالمرونة هنا تعني التواطؤ مع الآخر في إهدار المال العام وتغليب المصالح الشخصية على العامة. أو كمن يتحدث عن قائد كفء لا يسمح بالتهاون مع المتكاسلين وينعته بأنه قاسي مع مرؤوسيه، مع أن واقع الأمر يشير إلى أنه حازم مع المتهاونين منهم. ويقدم الدكتور أحمد كمال أبو المجد نموذجاً آخر لتصحيح المفاهيم بقوله: لا شك أن تعبير المأساة – وليس النكسة – هو أدق الأوصاف لما وقع في 5 يونية 1967 (أبو المجد،2002،204).

 

30-   التجذير: ويعني السعي نحو البحث في أصل الموضوع مثار المحاجة ومطالبة الآخر بالعودة إلى ذلك الأصل كلما حاول الذهاب بعيداً، سواءً للتشتت أو للتمويه أو للهروب، ذلك أن البحث في جذر القضية يمكننا من فهمها بصورة أشمل وأدق أما الانجراف وراء الفروع وترك الأصول فلن يسمح لنا بالتوصل إلى خلاصة شافية أو إجابة وافية، وهناك شواهد متعددة على ذلك منها ما يثار في مصر الآن حول تبرير فشل المسئولين عن الملف المصري حول استضافة مباريات كأس العالم في عام 2010 (المونديال)، وحصولهم على صفر من أصوات لجنة الفيفا المنظمة له والتي تضم (24) صوتاً، حيث يقول المسئول عن ذلك الملف في دفاعه عن نفسه، ولجنته، لقد رفضنا عروضاً ومساومات لدفع ملايين الدولارات مقابل أصوات غير مؤكدة لأعضاء الفيفا وهو ما رفضناه، لقد خضنا المعركة بأخلاق المصريين الشرفاء ولن ندخل في مساومات غير شريفة، فهل التعامل بشرف وأسلوب الفرسان أصبح خطأ، وإذا كان هذا الشرف خطأ نعم تعترف أننا أخطأنا، لم نترك أي باب لم نطرقه ما عدا باب الإغراءات المالية، فضلاً عن أن البعض من أعضاء اللجنة غيّروا رأيهم في الساعات الأخيرة، والبعض أظهر لنا خلاف الحقيقة وضحك علينا (الوفد، 20 مايو، 2004)، ويتضح بجلاء في هذا السياق أن المسئول ابتعد عن جذر الموضوع وراح يبعد عنه الاتهام بالتقصير بأن يتهم الآخرين مع أن أساس المسألة هل كان هناك تحضير كفء، وفي الوقت المناسب، ومن خلال الأشخاص الملائمين أم لا، فالأمر لا يبدأ من الاتصالات ولكنه ينتهي بها والأصل في الموضوع أن يكون هناك استعدادات فعلية على أرض الواقع تقنع الآخرين بالتصويت لنا فالمسألة لن تحل باتهام هيئة دولية بفساد الذمم كي نبرئ ساحتنا بمشكلة أكبر ألا وهي الطعن في مؤسسة ذات ثقل دولي ضخم. أو كمثل المسئول عن التعليم الذي يعزى الخلل في العملية التعليمية إلى تفشّي الدروس الخصوصية مع أن جذر الموضوع يتمثل في مسائل أخرى من قبيل ضعف القيادات التعليمية، وعدم وجود استراتيجية واضحة للتعليم، وعدم ملاءمة المقررات لروح العصر، وكذلك عدم مواكبة المباني المدرسية للوظائف المناطة بالمدرسة وعدم إعداد المعلم ابتداء بشكل كفء فضلاً عن ضآلة فرص تأهيله أثناء الخدمة.