5-3 التوجيهات العملية والبرامج العلمية لتنمية المحاجة

31-        إعادة التأطير: كل طرف يطرح قضيته في إطار معين حتى تكون متماسكة وبذا يتمكن من إقناع الآخر بها، ومن الممكن للفرد حين يواجه هذا الموقف أن يضع القضية أو المسألة بدوره في إطار آخر أي يعيد تأطيرها على نحو يمكنه من فهمها على نحو مختلف قد يكون هو الأكثر ملاءمة، فعلى سبيل المثال حين يشير أحد المتحاجين إلى أن اهتمامنا بجنوب السودان، كما يتمثل في رغبتنا بإنشاء فرع لجامعة الاسكندرية به، مع أن مصر في أمس الحاجة للموارد المالية، يعد استنزافاً لتلك الموارد وبالتالي لا داعي لتلك المبادرة، أي أنه صاغ رفضه للموضوع من الزاوية أو من الإطار الاقتصادي بيد أننا إذا أعدنا تأطير القضية وطرحناها في إطار آخر ألا وهو الأمن القومي المصري فإنه من دواعي هذا الأمن، والذي يعد الأمن المائي أحد دعائمه، أن تحرص مصر على توطيد أواصر صلاتها، وتواجدها، بالجنوب السوداني ومن هنا يكون من الطبيعي الموافقة على هذه المبادأة من منطلق أن المياه أهم من المال. وهناك نموذجاً آخر لهذا الأسلوب في مجال الشعر حيث سئل صلاح عبد الصبور: لماذا اخترت الشعر الحر شكلاً لأشعارك؟ فأجاب: لم يكن اختياراً إلا إذا كان الإنسان يستطيع اختيار قامته أو عرض أكتافه أو لون عينيه. لقد كان نمواً كما ينمو كل شئ في الحياة. وقد بدأت شاعراً كلاسيكياً وأقر هنا أن تجربتي الشعرية ضاقت بالإطار الكلاسيكي منذ أمد بعيد ومن ثم حاولت الخروج منه بطرق أخرى، أي أنه طرح القضية في إطار قوانين الطبيعة وليس في إطار الاختيار الشخصي (النقيب، 1996، 218)، أو كما قال عما الدين أديب: قضية مصر ليست نقص السيولة النقدية، ولكن نقص الحلم والتفاؤل بغد أفضل، أي أنه أعاد تأطير القضية بصورة مغايرة. أو كمن يقابل – بشكل ملحوظ – بين العقل والنقل في الفقه الإسلامي مع أن واهب العقل هو الموحي بالنقل، وأن الرواية لا تغني عن الفقه والدراية (أبو المجد، 2002، 235).

32-   التفريد: يشير هذا المفهوم إلى أن القاعدة العامة قد لا تصدق بالضرورة على كل الحالات المندرجة تحتها لأن هناك حالات متفردة تتطلب حكماً مختلفاً بعض الشئ مثلما يحدث في القانون حيث يصدر القاضي أحكاماً مختلفة على أشخاص ارتكبوا نفس الجرم ذلك لأن كل حالة لها ظروفها المتفردة، فمن يقتل بريئاً ليسرقه يعدم، ومن يقتل لصاً يريد سرقته دفاعاً عن نفسه قد يأخذ حكماً بإيقاف التنفيذ. وهكذا الأمر في المحاجة حري بنا ألا نتسرع في إصدار أحكام عامة على الأشياء في ضوء القواعد العامة فقط بل يجب علينا أن نراعي الظروف المتفردة للمسألة موضع الحجاج، ومن الأمثلة المعبرة عن هذا الموقف. أننا حين نتحاج مع آخر حول رأيه القائل بضرورة إنهاء تسيير وسائل المواصلات العامة في الحادية عشرة مساءً حيث يكون معظم الناس قد أنهوا أعمالهم لترشيد الاستهلاك، فيمكننا هنا استناداً إلى مبدأ التفريد القول بأن هناك فئات خاصة مثل عمال "الفترات المسائية في المصانع" قد يذهبون إلى أعمالهم في الثانية عشر مساءً، ويعود زملاؤهم في نفس الحقبة في وسائل المواصلات العامة ومن ثم يجب مراعاة ظروفهم المتفردة. وثمة واقعة طريفة في التراث اليوناني تعبر عن هذه الفكرة بطلها سقراط حيث يسأل "لاخيس" قائلاً: ما الشجاعة، عموماً، يا لاخيس؟، فقال: ذلك أمر هين يا سقراط، الرجل الشجاع يلزم مكانه في الحرب ولا يهرب منه. فأجاب سقراط: حسناً. هذا تعريف جيد للشجاعة كما يراها أحد جنود المشاة. ولكن ما الرأي في الفرسان الذين يتحركون دائماً؟ (كوراميس، 1956، 93). ومن المتوقع أن نواجه في حياتنا اليومية بمثل تلك الحالات كأن يسعى أحدهم إلى إقناعننا بأن النساء العاملات لا يؤدين واجباتهن بكفاءة نظراً لانشغالهن لهم بشئون بيوتهن على حساب العمل، وعلينا في مثل هذه الحالة أن نبادره القول، انطلاقاً من مبدأ التفريد، أن هذا الوضع لا ينطبق بالضرورة على كل العاملات فالبعض منهن غير متزوج ابتداءً، أو تزوجن وطلقن، أو ترملن ولم ينجبن وهكذا…… وبالتالي فهذا المبدأ العام لا يصدق عليهن.