5-3 التوجيهات العملية والبرامج العلمية لتنمية المحاجة

33-   ابحث عن الوقائع التي تناقض النتيجة التي توصّل إليها الطرف الآخر: من المتوقع أن يسعى الطرف الآخر في المحاجة إلى استنتاج أو التوصل إلى نتائج تؤيد حجته كمثل الذي يقول أن التوسع في بناء المدارس في الريف أدى إلى انخفاض كفاءة العملية التعليمية بها نظراً لعدم وجود الأعداد المدربة الكافية من المعلمين بها. هنا يجب أن نتأكد قبل أن نسلم بصحة هذه النتيجة من عدم وجود وقائع تناقضها من قبيل: أن نسبة الطلاب المتفوقين في المدارس الثانوية العامة ضئيلة جداً من أبناء الريف مقارنة بنسبتهم من أبناء الحضر، كذلك أن نسبة الطلاب غير المتفوقين من أبناء الحضر أعلى أو مماثلة لنسبة نظرائهم من أبناء الريف. وحين ننتقل إلى نموذج آخر حيث نقوم بمحاجة من يقول إن الموظف المصري أقل كفاءة من نظرائه في الدول الأخرى والدليل على ذلك هذا المستوى المتدني من الأداء، وهنا يمكننا التوقف عن قبول هذه النتيجة – أنه أقل كفاءة من نظرائه في الدول الأخرى – حتى نتأكد من عدم وجود ما يتعارض معها من قبيل: إن هذا الموظف حين يعار في الخارج يبذل جهداً دءوباً ويكون موضع التقدير من رؤسائه هناك وهو ما يعني أن المناخ العام هو المسئول عن تدنّي الأداء وليس الكفاءة الشخصية، كذلك فإن هناك موظفين عموميين في مصر في هيئات معينة ذات طابع خاص، يؤدون مهامهم بكفاءة عالية، وهو ما ينفي هذا الحكم العام. أي أن المسألة تكمن في عناصر أخرى غير تلك التي ينادي بها المحاج.

34-   تأكد من عدم تناقض الآخر: إن الحجة كالمبنى يجب أن تقوم على أسس قوية أما إذا شابها تناقض فهي تتهاوى، ومن ثم يجب على القائم بالمحاجة الوقوف على أوجه التناقض المحتملة في حجج الطرف الآخر وادعاءاته، وهي متعددة منها:

-       التناقض بين ما يقوله وما يفعله، فحين يدعي قائد بأنه يتعامل بصورة ديموقراطية مع عامليه في حين أن سلوكه يتسم بالاستبداد فهنا تناقض ينفي ما يدعيه.

-       التناقض بين ما يتوقعه من نتائج وما ينتج في الواقع عما يدعيه؛ كأن يدعي بأن التوسع في التعليم الجامعي سيزيد من عطالة الشباب في حين أن الواقع يشير إلى أن رفع الكفاءة العقلية والمهارات الفكرية للخريج يمكنه من استثمار طاقاته بصورة أفضل وإيجاد فرصة عمل خاصة به بطرق مبتكرة ومن ثم ينخفض معدل العطالة.

-       التناقض بين حججه المستخدمة في المحاجة ذاتها كأن يقول في بداية المحاجة أنه مع الأساليب الحديثة في التربية وينتهي إلى ضرورة استخدام الضرب كوسيلة رادعة للأبناء في حالة عدم استجابتهم لمطالبه.

ويعنّ لنا في هذا المقام أن نسوق تلك المحاجة البارعة للإمام الباقلاني مع أحد علماء المعتزلة في حضرة الخليفة عضد الدولة حيث سأله المعتزلي: هل لله ان يكلف الخلق ما لا يطيقون؟ او ليس له ذلك؟ فقال: إن أردتم بالتكليف القول المجرد "كونوا حجارة أو حديداً" ونحن لا نقدر أن نكون كذلك. وإن كنتم أردتم بالتكلبف الذي نعرفه، وهو ما يصح فعله وتركه، فالكلام متناقض وسؤالك فاسد، فلا تستحق جواباً، لأنك قلت: تكليف، والتكليف اقتضاء فعل ما فيه مشقة على المكلف، وما لا يطاق لا يفعل لا بمشقة ولا بغير مشقة، فسكت السائل (الباقلاني، 1995، 20).